الترقيم الدولي المعياري للدوريات

Transcription

1 المجلد 12 العدد 2 ربيع األول 1437 ه / ديسمبر 2015 م الترقيم الدولي المعياري للدوريات

2 السياسة الخارجية في ضوء السنة النبوية ميساء عيل روابدة كلية األميرة عالية الجامعية - جامعة البلقاء التطبيقية عمان - األردن عزيزة صالح عليوة كلية الشريعة - الجامعة األردنية وزارة التربية والتعليم عمان - األردن تاريخ االستالم تاريخ القبول ملخص البحث شكلت عالمية الرسالة مقصدا من مقاصد الرسول - صلى هللا عليه وسلم- في سياسته الخارجية فاستلزم ذلك إقراره بسياسة األبواب المفتوحة في محيط عاقات دولة اإلسام الجديدة مع غيرها ورفض سياسة العزلة واالنغاق لذا تناول هذا البحث مسألة بالغة األهمية في مجال العاقات الدولية في اإلسام وهي السياسية الخارجية التي تقيمها الدولة اإلسامية مع غيرها من الدول وتوصل الباحث إلى أن السنة المطهرة لها فضل السبق في إرساء دعائم أصول السياسة الخارجية حيث أقام النبي- صلى هللا عليه وسلم - أسس هذه السياسة وجعلها أنموذجا في القدوة من خال عقده المعاهدات وإيفاده السفراء واستقباله المستأمنين وتنظيم العاقات بين الدول المحيطة بدولة اإلسام األمر الذي أقر به العالم في العصور الحديثة حيث جعل هذه المبادىء واألصول السياسية الخارجية مصدرا لقانونه الدولي. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 93 2

3 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) المقدمة: أص لت السنة النبوية لكثير من الجوانب السياسية في مفهومنا المعاصر ومنها السياسة الخارجية فقد أقامت نظاما سياسيا خارجيا في وسط محيط مملوء بالصراعات والتناقضات وقتئذ خصوصا أمام أقوى دولتين هما فارس والروم فقد كانت اإلمبروطورية الفارسية تسيطر على ج ل القارة اآلسيوية وكانت اإلمبروطورية الرومانية تسيطر على أوروبا الوسطى وعلى جانب كبير من آسيا وعلى مصر من أفريقيا فغرست السنة النبوية في محيطها العالمي آنذاك القواعد العامة للسياسة الخارجية فلم تقتصر في أنظمتها السياسية على شؤون المسلمين بل تجاوزت ذلك إلى العاقات مع غير المسلمين فمد ت جسور العاقات الخارجية مما نتج عنه نظام سياسي حضاري متين ومتكامل الجوانب في األصول العامة األساسية ممثلة بالسلطة الرشيدة التي تعمل على تطبيق شريعة هللا تعالى وحفظ الحقوق في كل ش عبة من ش ع ب الحياة وجعلها سنة نبوية يسير عليها الحكام واألمراء من بعده ليستهدوا بها ويتخذوها قاعدة في حكمهم. وقد بنى النبي- صلى هللا عليه وسلم- سياسته الخارجية مهيئا بذلك لعالمية رسالته وضمانا لسعادة البشرية عموما ألن هذه الرسالة مقصدها توحيد هللا تعالى والرحمة للعالمين ومن هنا كان حرصه - صلى هللا عليه وسلم - على بناء كل ما يصلح أمر الناس ويضمن حفظ حقوقهم من إقامة العدل والتعاون واألمن مما يكفل للجميع العيش بسام وحيث يشعر هؤالء بقيمة اإلسام ورحمته وعدله في المعامات واألحكام التي تطبق عليهم فاالنفتاح والتعامل الصحيح مع غير المسلمين يعطي تلك الصورة الناصعة لإلسام لتقبله ويمنح فرصة المراجعة لغير المسلم لدينه الم ح رف والباطل لما يرى من سموه ورحمته وسماحته فاإلسام جاء إلنقاذ البشرية جميعا من الظلمات وزيف العقائد إلى النور المبين لذا ناسب أن يكون عنوان البحث«السياسة الخارجية في ضوء السنة النبوية«. أهمية البحث: تستمد الدراسة أهميتها من أهمية السياسة الخارجية التي لم تكن أقل أهمية من السياسة الداخلية فالسياسة الخارجية للدولة اإلسامية امتداد للسياسة الداخلية وهي انعكاس لألوضاع الداخلية تتأثر بها وتؤثر فيها ومن أهمية االنفتاح فالدولة اإلسامية لم تكن دولة منغلقة فقد حظي غير المسلمين بالرعاية النبوية وهذا األمر يدعو إلى االعتزاز بدين اإلسام الذي يبين رفعة المجد الحضاري الذي بلغه المسلمون في وضعه أسس ومبادىء لما يجب أن تكون عليه العاقات السياسية الخارجية بين الدول والشعوب حيث امتازت بمنهجية فريدة في التعامل تختلف عن جميع األديان السماوية والفلسفات الوضعية. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2 94

4 أهداف البحث: ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق األمور اآلتية: 1 التعرف 1. على صور السياسة الخارجية من خال السنة النبوية ألنها احتلت موقع الصدارة في كثير من مجاالت الحياة سواء كانت دينية أو أخاقية أو اجتماعية أو اقتصادية. 2 بيان 2. أن المشكات التي أفرزتها السياسات لبعض الدول تفرض معالجة هذه المشاكل واألزمات من خال رؤية جديدة تضمن تحقيق السلم في جوانب الحياة اإلنسانية كافة وإعادة بناء العاقات الخارجية الطبيعية بين الدول. 3 بيان 3. أن عاقات الدول من غير سياسة خارجية حكيمة تفضي إلى قهر الدول لبعضها وعودة شيوع ظلم اإلنسان لغيره وعدم تحقق قيم العدل والسام والفضيلة التي تسعد بها اإلنسانية على اختاف أعراقها. 4 بيان 4. أن األنظمة اإلسامية لم تقتصر على معالجة أمور حياة المسلمين وشؤونهم فحسب بل امتدت إلى وضع أنظمة خاصة لغير المسلمين القاطنين داخل الدولة اإلسامية أو خارجها. أسباب اختيار الموضوع: جاء هذا البحث)السياسة الخارجية في ضوء السنة النبوية( لبيان خطأ اعتقاد البعض أن الرسول صلى هللا عليه وسلم اقتصر في دعوته على الجانب الديني واالجتماعي فقط وأنه ال شأن له بالسياسة وخاصة الخارجية منها وال شك أن في هذا من الخطورة الشيء الكثير ألن فيه تعطيا لجانب من جوانب اإلسام لذا كان من المهم التعريف بهذا الجانب وإبرازه واإلثبات باألدلة على أن رسالته صلى هللا عليه وسلم دعوة عالمية استغرقت كل حاجات اإلنسان وغطت كل مناحي الحياة. تساؤالت الدراسة: يمكن القول بأن هذا البحث يسعى لإلجابة عن األسئلة اآلتية: ما هي السياسة الخارجية التي انتهجها الرسول- صلى هللا عليه وسلم- في زمنه ما صور السياسة الخارجية النبوية في التعامل مع الدول والشعوب األخرى غير المسلمة ما مدى استفادة القانون الدولي من سياسة الرسول- صلى هللا عليه وسلم- الخارجية ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 95 2

5 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) الدراسات السابقة: الدراسات السابقة كثيرة في جانب العاقات السياسية الدولية والسلم والحرب في اإلسام التي تناولت بعض الجوانب لهذا الموضوع لكن هذا الموضوع فيما أعلم لم يبوب له موضوع منفرد. منهج البحث: اعتمد الباحث في طرح هذا الموضوع على المنهج االستقرائي والتحليلي: وذلك باستقراء المادة العلمية المتعلقة بالدراسة من مصادرها وتحليلها كما لم يخل البحث من المنهج المقارن أحيانا الذي يبرز المفارقة بين السياسة الخارجية اإلسامية وغيرها ومدى استفادة القانون الدولي من هذه المسألة. خطة البحث: جاء البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة على النحو اآلتي: المقدمة: وفيها أهمية البحث وأهدافه وأسباب اختياره ومنهج البحث. المبحث األول: المبادىء المنظمة للسياسية الخارجية في عهد النبوة ويحتوي على المطالب اآلتية: المطلب األول: مبدأ الحرية الدينية المطلب الثاني: مبدأ الوحدة اإلنسانية المطلب الثالث: مبدأ العدل المبحث الثاني: صور السياسية الخارجية النبوية مع الدول األخرى ويحتوي على المطالب اآلتية: المطلب األول: تبادل الرسل والسفراء )التمثيل السياسي(. المطلب الثاني: الحصانة الدبلوماسية للرسل والمبعوثين المطلب الثالث: األمان )اللجوء السياسي(. المطلب الرابع: المكاتبات والرسائل )المذكرات الدبلوماسية(. المطلب الخامس: الوفاء بالمعاهدات المعقودة. المطلب السادس: تقييد التعامل بالمثل بين الدول باألخاق. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2 96

6 المبحث األول ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) أهم المبادىء الحاكمة لتنظيم صور العالقات السياسية الخارجية في عهد النبوة المطلب األول: مبدأ الحرية الدينية: إن الحرية في اإلسام»ضرورة إنسانية واجبة«وفريضة إلهية لن تتحقق حياة اإلنسان كإنسان بغيرها وهي واجبة لتحقيق وصيانة الحياة التي هي واجبة كما أنها فريضة إلهية وتكليف واجب على اإلنسان يستلزم حريته واختياره ))) وتشمل الحرية بطبيعة الحال مبدأ الحرية الدينية وهو المبدأ الذي يؤكده القرآن الكريم بصفة خاصة بقوله تعالى:}ال إ ك ر اه ف ي الد ين { )البقرة: ٢٥٦( واإلكراه ي عد شكا من أشكال العنف والعدوان على الحريات فحرية االعتقاد بضوابطها الشرعية حق كفله اإلسام وصرح به القرآن فقد قال تعالى:} و ق ل ال ح ق م ن ر ب ك م ف م ن ش اء ف ل ي ؤ م ن و م ن ش اء ف ل ي ك ف ر } )الكهف: ٢٩( وبناء على ذلك نستطيع فهم حركة الفتح اإلسامي وإقبال الناس على الدخول في هذا الدين فقد آمنوا بهذا الدين عن اقتناع ورغبة فلم يكره اإلسام الناس على الدخول فيه فاالختاف العقدي أمر اقتضته مشيئة هللا تعالى فقال جا وعا:}و ل و ش اء ر ب ك آل م ن م ن ف ي األ ر ض ك ل ه م ج م يع ا أ ف أ ن ت ت ك ر ه الن اس ح ت ى ي ك ون وا م ؤ م ن ين } )يونس: (. ٩٩ ومن الممارسات الدالة على ضرورة مراعاة مبدأ الحرية الدينية في العاقات الدولية ما حرص عليه الرسول- صلى هللا عليه وسلم- والخلفاء من بعده من ضرورة تحقق تمام وصول الدعوة اإلسامية إلى غير المسلمين ثم تركهم يختارون في حرية ورضا تام ين بين اإلسام أو الجزية أو القتال ))) فعن ب ر ي د ة ب ن ال ح ص ي ب األسلمي رضي هللا عنه - ق ال : كان ر س ول هللا - صلى هللا عليه وسلم- إ ذ ا أ م ر أ م ير ا ع ل ى ج ي ش أ و س ر ي ة أ و ص اه ف ى خ اص ت ه ب ت ق و ى هللا و م ن م ع ه م ن ال م س ل م ين خ ي ر ا ث م ق ال : اغ ز وا ب اس م هللا ف ى س ب يل هللا... و إ ذ ا ل ق يت ع د و ك م ن ال م ش ر ك ين ف اد ع ه م إ ل ى ث ا ث خ ص ال - أ و خ ا ل - ف أ ي ت ه ن م ا أ ج اب وك ف اق ب ل م ن ه م و ك ف ع ن ه م ث م اد ع ه م إ ل ى اإل س ا م ف إ ن أ ج اب وك ف اق ب ل م ن ه م و ك ف ع ن ه م ث م اد ع ه م إ ل ى الت ح و ل م ن د ار ه م إ ل ى د ار ال م ه اج ر ين و أ خ ب ر ه م أ ن ه م إ ن ف ع ل وا ذ ل ك ف ل ه م م ا ل ل م ه اج ر ين و ع ل ي ه م م ا ع ل ى ال م ه اج ر ين ف إ ن أ ب و ا أ ن ي ت ح و ل وا م ن ه ا ف أ خ ب ر ه م أ ن ه م ي ك ون ون ك أ ع ر اب ال م س ل م ين ي ج ر ي ع ل ي ه م ح ك م هللا ال ذ ى ي ج ر ي ع ل ى ال م ؤ م ن ين و ال ي ك ون ل ه م ف ى ال غ ن يم ة و ال ف يء ش ى ء إ ال أ ن ي ج اه د وا م ع ال م س ل م ين ف إ ن ه م أ ب و ا ف س ل ه م ال ج ز ي ة ))) محمد عمارة اإلسام وحقوق اإلنسان )الكويت: مجلة عالم المعرفة العدد 89 مايو 1958 م(: 30. ))) أحمد شتا العاقات الدولية في اإلسام )المعهد العالمي للفكر اإلسامي القاهرة: ط م(:ج 1 ص 97. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 97 2

7 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) ف إ ن ه م أ ج اب وك ف اق ب ل م ن ه م و ك ف عنهم...» ))) وقد نص العلماء والفقهاء على عدم إكراه غير المسلمين بالدخول في اإلسام فقال ابن قدامة المقدسي الفقيه الحنبلي:»وإذا أكره على اإلسام من ال يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم اإلسام حتى يوجد منه ما يدل على إسامه طوعا«))) ثم نقل ابن قدامة إجماع العلماء على أن الذمي والمستأمن إذا التزما بما عوهد عليه ال يجوز إكراهه بما لم يلتزمه ))) وقد رد اإلمام أبي األعلى المودودي على مسألة إن انتشار اإلسام بالسيف يعارض قوله: )ال إ ك ر اه ف ي الد ين ( بقوله:» أما قوله عز وجل )ال إ ك ر اه ف ي الد ين ( فإنما معناه: أن اإلسام ال يفرض على أحد عقيدته قسرا إذ ليست العقيدة أمرا يمكن تعبئة القلوب بها قسرا وأنه ال يرغم أحدا على قبول شعائره التعبدية التي هي ذات صلة وثيقة بعقائده ألن هذه العبادات ال معنى لها أبدا بدون اإليمان الصحيح«))) وبناء على ذلك ال يمكن التصور بأن الحروب في اإلسام كانت تهدف إلى إجبار اآلخرين على اعتناقه ولم نسمع على مر التاريخ أن باد المسلمين التي فتحت وحررت من الظلم أ جبر أهلها على الدخول في اإلسام وقد شهد غير المسلمين على التزام المسلمين بهذا المبدأ القرآني في عدم إجبار أحد ممن هو تحت سلطانه على الدخول في اإلسام فقال توماس آرنولد ))) :»لم أسمع عن أي محاولة مدبرة إلرغام غير المسلمين على قبول اإلسام أو عن أي اضطهاد منظم» ))). المطلب الثاني: مبدأ وحدة اإلنسانية امتازت السياسة اإلسامية للنبي صلى هللا عليه وسلم باإلنسانية ولذا نعم فيها اإلنسان بالخير واألمن والرفاهية فلم تقم على التسلط أو العدوان أو البغي بل على المودة واإلخاء ونشر الفضائل ومن ث م أثمرت هذه الفضائل في جو هذه السياسة فظهر التساوي بين رعايا الدولة اإلسامية ولم يتميز أصحابها ب عرق أو لون أو جنس وقد حقق ذلك العدالة والسعادة وترك النزعات العنصرية وقد افترقت السياسة الغربية عن السياسة ))) مسلم بن الحجاج القشيري صحيح مسلم تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي )بيروت: دار إحياء التراث العربي:ط م ( كتاب الجهاد والسير باب تأمير اإلمام األمراء: ج 3 ص 1356 ح )1731(. ))) عبد هللا بن قدامة المقدسي المغني )دار الفكر بيروت- لبنان: ط ه(: ج 10 ص 96. ))) ينظر: المصدر السابق. ))) أبو األعلى المودودي اإلسام في مواجهة التحديات المعاصرة تعريب أحمد الحاوي) دار الفتح الكويت 1971 م( 1: ص ))) توماس أرنولد م: مستشرق إنجليزي التحق بكلية المجدلية في جامعة كمبردج حيث اجتذبته الدراسات الشرقية واختير لتدريس الفلسفة في كلية عليكرة اإلسامية في الهند وكان يدعو إلي التوفيق بين الثقافة اإلسامية والفكر األوربي من مؤلفاته «الدعوة اإلسامية«و»الخافة«وغيرها. ينظر: خير الدين بن محمود الزركلي األعام )دار العلم للمايين لبنان 2002 م( ط 5 :ج 2 :ص 94. ))) سير توماس الدعوة إلى اإلسام ترجمة:حسن إبراهيم حسن) مكتبة النهضة المصرية 1971 م(ط 3 : ص 99. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2 98

8 ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) اإلسامية في إنسانيتها في كثير من الصور ويكفي أنها امتدت لتشمل غيرهم من أهل الكتاب والمشركين فجاءت األحاديث النبوية لتأكيد المعاني اإلنسانية وتربية األمة على هذه القيم فنرى النبي- صلى هللا عليه وسلم - يوصي صحابته بالق ب ط خيرا فع ن أ ب ي ذ ر - رضي هللا عنه- قال: قال رسول هللا - صلى هللا عليه وسلم -:»إ ن ك م س ت ف ت ح ون أ ر ض ا ي ذ ك ر ف يه ا ال ق ير اط ف اس ت و ص وا ب أ ه ل ه ا خ ي ر ا ف إ ن ل ه م ذ م ة و ر ح م ا«))) كما رس خ حق الكرامة اإلنسانية وجعلها م علما من معالم سياسته الداخلية والخارجية في الدعوة إلى هللا فالكرامة حق للجميع على سبيل المساواة المطلقة فعن أبي هريرة - رضي هللا عنه- :»أ ن ر س ول هللا - ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م - ق ال : ق د أ ذ ه ب هللا ع ن ك م ع ب ي ة ال ج اه ل ي ة و ف خ ر ه ا ب اآلب اء م ؤ م ن ت ق ي و ف اج ر ش ق ي و الن اس ب ن و آد م و آد م م ن ت ر اب «))) فجاء استعمال النبي - صلى هللا عليه وسلم - لكلمة )الناس( في الحديث للجنس البشري عموما ولم يخص بها المسلمين تحقيقا لروح اإلخاء اإلنساني رغم االختافات الكبيرة والتفاوت العظيم بينهم ولم تهتم الدول غير اإلسامية وال القوانين المعاصرة بصون الكرامة اإلنسانية إال في بداية القرن العشرين عام ) 1948 م( عندما نص ت القوانين الد ولية في إعان األمم المتحدة في ديباجت ها وفي مادتها األولى على أن ه:»ي ولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد و ه بوا عقا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح اإلخاء«))). المطلب الثالث: مبدأ العدل من مميزات الدولة اإلسامية أنها اعتمدت مبدأ العدل في النظام السياسي لها وفي عاقاتها مع غيرها من الدول ألن العدل أساس استقرارها ولنظامها السياسي وسبب ديمومتها وازدهارها ونقيض العدل الظلم وهو سبب لخراب األمم وتقويض الحكم أما الدول غير اإلسامية فلم تعتمد هذا المبدأ كأساس للعاقات الدولية واستثنت العدل في القضاء فقط «فإذا نحن نظرنا مثا إلى القانون الوضعي الحديث والمعاصر فإننا ال نكاد نجد فيه ذكرا للعدالة اللهم إالفي ميدان القضاء فقط حيث يعبر في اللغة اإلنجليزية مثا عن القضاء والعدل بكلمة واحدة Justice المتمثل عندهم في المبدأ الدستوري )مساواة جميع األفراد أمام القانون( غير أن هذا المبدأ ال يطبقبشكل دقيق فهناك استثناءات من هذا المبدأ ولكننا إذا تركنا ميدان القضاء إلى ميدان النظم السياسية والدستورية فا نجد ذكرا ))) مسلم صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة - رضوان هللا تعالى عليهم باب وصية النبي- صلى هللا عليه وسلم - بأهل مصر:ج 4 ص 1970 ح )2543(. ))) محمد بن عيسى الترمذي جامع الترمذي) لبنان:دار الغرب اإلسامي 1998 م ) كتاب المناقب باب فضل الشام واليمن:ج 6 ص 225 ح )3956( قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ))) الجمعية العامة لألمم المتحدة اإلعان العالمي لحقوق اإلنسان مطبوع في آخر كتاب محمدالغزالي حقوق اإلنسان بين تعاليم اإلسام وإعان األمم المتحدة )القاهرة: المكتبة التجارية 1963 م( ط 1 ص 262. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 99 2

9 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) للعدالةوال حتىاإلشارة إليها«))) وألهمية مبدأ العدل في العاقات الدولية لألمم والشعوب فقد زخرت الس ن ة الن بوي ة باألحاديث الواردة في ذلك من أجل تحقيق العدل وترسيخه في التعامل مع اآلخرين وأعلن النبي- صلى هللا عليه وسلم- أن العدل والمساواة بين الناس يشمل المسلمين وغيرهم وهو حق لكل إنسان بوصفه إنسانا وذلك في حديث جابر بن عبد هللا - رضي هللا عنهما - ق ال : «خ ط ب ن ا ر س ول هللا صلى هللا عليه وسلم ف ي و س ط أ ي ام الت ش ر يق خ ط ب ة ال و د اع «ف ق ال :»ي ا أ ي ه ا الن اس أ ال إ ن ر ب ك م و اح د و إ ن أ ب اك م و اح د أ ال ال ف ض ل ل ع ر ب ي ع ل ى ع ج م ي و ال ل ع ج م ي ع ل ى ع ر ب ي و ال أ ح م ر ع ل ى أ س و د و ال أ س و د ع ل ى أ ح م ر إ ال ب الت ق و ى» ))) وقد اقتضت العدالة في مجال العاقات الخارجية أن تبنى كافة االتفاقيات الدولية وعهودها ومواثيقها على العدل لجميع األطراف وعدم الجور وقد أثمر تطبيق مبدأ العدل في عاقات المسلمين بغيرهم فكان عاما من عوامل نجاح الفتوحات اإلسامية. المبحث الثاني صور العالقات السياسية الخارجية للدولة اإلسالمية مع غيرها من الدول المطلب األول: تبادل الرسل والسفراء )التمثيل السياسي( يقصد بالسفير: الرسول والمصلح بين القوم يقال: سفرت بين القوم: إذا أصلحت بينهم ومنه قول الشاعر: وم ا أد ع الس فار ة ب ين ق و مي وم ا أم ش ي بغ ش إن م ش يت ))) وأما السفير في المصطلح السياسي المعاصر فهو:» الذي يهتم بعاقات دولته الخارجية ويسعى لتنميتها باتصاالته المباشرة مع وزير خارجية الدولة المعتمد لديها«))). مشروعية عمل السفير: ي عد تبادل الرسل )التمثيل السياسي( من أهم األدوات والوسائل التي تعتمد عليها الدول في إدارة العاقات الخارجية وتنظيمها وقد حوت السنة النبوية كثيرا من األحكام التي تتعلق ))) عبد الحميد متولي مبادئ نظام الحكم في اإلسام )االسكندرية: منشأة المعارف 1966 م( ط 2:271. ))) أحمد بن حنبل الشيباني مسند اإلمام أحمد تحقيق: شعيب األرنؤوط وآخرين )الرياض: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر 1416 ه م( ط 1 :ج 39 ص 474 ح ( 23489( قال الهيثمي في مجمع الزوائد:» رجاله رجال الصحيح» ج 3 ص 587 والحديث إسناده صحيح. ))) أبو حيان التوحيدي البصائر والذخائر تحقيق:وداد القاضي)بيروت:دار صادر 1408 ه (:ط 1 ج 2 ص 192 ))) راؤول جوته موجز الدبلوماسية ترجمة قاسم مردم) دمشق: المطبعة الهاشمية 1366 ه 1947 م(ص ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

10 ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) بإرسال الرسل والسفارات وهذا دليل على تأصيل هذا المبدأ وشرعيته فالسنة النبوية أصلت هذا التبادل ألن رسالة اإلسام حضارية مفتوحة على جميع الشعوب واألمم وكل هذا يستدعي ضبطا وتنظيما لحل كثير من المسائل والقضايا وما يتعلق بهما من التفاصيل والجزئيات ومن هنا كان النبي- صلى هللا عليه وسلم - أول من أرسل السفراء وأوكل إليهم تسليم الرسائل إلى الحكام وكان يختار بحكمة بالغة السفير الذي تناط به هذه المهمة فلما أراد أن يبعث عمر بن الخطاب - رضي هللا عنه- ليفاوض قريشا في عام الحديبية بعد أن رفضت قريش اضطاع خراش بن أمية الخزاعي بهذه المهمة أشار عمر باختيار عثمان بن عفان بدال منه لشدة عداوة عمر بن الخطاب لقريش ولعدم وجود أحد في مكة يمنعه منهم وألن عثمان من بني أمية الذين ينتسب إليهم أبو سفيان زعيم قريش مما يضمن له حماية ت عينه على أداء مهمته ولذا اختار- صلى هللا عليه وسلم - إيفاد عثمان بن عفان - رضي هللا عنه- مبعوثا ومفاوضا إلى قريش وقال له:» أخبرهم أن ا لم نأت لقتال وإنما جئنا ع م ارا وادعهم إلى اإل سام...«))). وقد وضعت السنة النبوية المثال األسمى من أجل التواصل األممي في العاقات الدولية وراعت عادات الشعوب وأعرافها وقبلت هدايا المبعوثين والرسل فقد قبل النبي - صلى هللا عليه وسلم- هدايا الملوك فعن أنس-رضي هللا عنه -» أن أ ك ي د ر د وم ة أ ه د ى ل ر س ول هللا -صلى هللا عليه وسلم-ح ل ة «))) وعن أبي حميد الساعدي - رضي هللا عنه- قال:»..و أ ه د ى م ل ك أ ي ل ة ل لن ب ي - صلى هللا عليه وسلم- ب غ ل ة ب ي ض اء و ك س اه ب ر د ا...«))) وعملت السنة المطهرة بهذا بهدف اعتراف هذه الدول بدولة اإلسام الفتية واستمالة قلوب الملوك ورؤسائهم إلى اإلسام ولتأسيس دولته العالمية وتثبيت أركانها وذلك يمثل اعترافا ضمنيا بسلطة الرسول - صلى هللا عليه وسلم- الجديدة وهذه وسيلة من الوسائل التي تتبعها الدول تعبيرا عن إرادتها واالعتراف القانوني بها ))). وظيفة الرسل والسفراء وأهميتها: ت عد مهمة الرسل والسفراء من أهم الوظائف وأخطرها ذلك أن مهمتهم تزيل المشكات والمعوقات التي تحصل بين الدول وهي أيضا لها أثر كبير في بناء العاقات وإبرام االتفاقات والمعاهدات بينها فما من سلم أو حرب بين الدول إال وللسفير فيها دور فع ال في ))) أحمد بن الحسين بن علي البيهقي دالئل النبوة) بيروت: دار الكتب العلمية 1405 ه( ط 1 :ج 4 ص 133. ))) مسلم صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل سعد بن معاذ:ج 4 ص 1916 ح ( 2469 ) ))) محمد بن إسماعيل البخاري الجامع الصحيح تحقيق: مصطفى ديب )بيروت: دار ابن كثير 1987 م( ط 3 كتاب الهبة باب قبول الهدية من المشركين: ج 2 ص 922 ح )2474(. ))) ينظر: خالد الشيخ الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي )األردن: 1999 م( ط 1 : ص ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 101 2

11 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) حماية مصالح دولته ورعاياها فالسفير هو الممثل المعتمد لدى الدولة المرسل إليها إذ هو المعبر الوحيد عن مواقف دولته فيما يحصل بينها وبين الدول األخرى وكذا من مهامه السعي لربط العاقة بين دولته والدول الباقية على الوجه المطلوب ولذا فالسفير ليس شخصا يعبر عن موقفه في شيء ما وإنما يعبر عن موقف دولته وقرارها السياسي وال يتوقف هذا الدور على ذات السفير وإنما يقوم بذلك العمل بصفته مبعوثا لدولته فعند غيابه أو عدم تمكنه من أداء دوره يتولى ذلك من ينوب عنه في البعثة وإن لم يكن سفيرا ))). حقوق السفراء: دعت القوانين المتأخرة إلى احترام الرسل والسفراء وإعطاءهم حقوقهم كاملة علما بأن من يقرأ في سيرة النبي صلى هللا عليه وسلم في معاماته الخارجية يجده النموذج الحي في تطبيق هذه الحقوق ومن أهمها: 1.1 حرية العقيدة والعبادة: لم يلزم- النبي صلى هللا عليه وسلم- الرسل والسفراء باعتناق الدين اإلسامي بل جعل لهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية بشرط عدم تعارضها مع نظام الدولة وحرية العقيدة ال تمنع من أحقية الدولة بدعوة الرسل والسفراء إلى اإلسام مع ترك الحرية لهم بقبول الدعوة أو رفضها ولنا في فعل الرسول صلى هللا عليه وسلم- أسوة حسنة فعن أبي رافع القبطي- رضي هللا عنه - قال:» ب ع ث ت ن ي ق ر ي ش إ ل ى الن ب ي - ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م - ق ال : ف ل م ا ر أ ي ت الن ب ي - ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م - و ق ع ف ي ق ل ب ي اإل س ا م ف ق ل ت : ي ا ر س ول هللا ال أ ر ج ع إ ل ي ه م...» ))) ففي الحديث لم يجبر النبي- صلى هللا عليه وسلم- سفير قريش باإلسام ومع ذلك عندما أسلم قبل إسامه ورفض أن يخيس بالعهد. وناحظ أن القانون الدولي لم يتعرض لمسألة حرية العقيدة ولم تنص عليها اتفاقية )فينا( ولم يجد القانونيون الذين أشرفوا على وضع االتفاقية أي مبرر إليرادها بحجة أن حصانة أماكن البعثة تغطي جميع هذه الجوانب وتضمن إقامة أي طقوس أو احتفاالت تقيمها البعثة في داخلها ))). 2.2 المعاملة الحسنة: كان النبي- صلى هللا عليه وسلم- يستقبل رسل المشركين الذين ))) ينظر: علي صادق أبو هيف القانون الدبلوماسي )مصر: منشأة المعارف اإلسكندرية 1395 ه(: ص 99. ))) ابن حنبل المسند ج 28 ص 230 ح ) ( والحديث صحيح إذ إن كل رواته ثقات. ))) ينظر: جمال نجم أحكام الرسل والسفراء في الفقه اإلسامي رسالة ماجستير )جامعة النجاح نابلس- فلسطين 2008 م(. 102 ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

12 ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) يحملون ما بعثوا به إليه ويعاملهم معاملة حسنة فعن سعيد بن أبي راشد- رضي هللا عنه- أن النبي - صلى هللا عليه وسلم - قال لرسول قيصر: «إ ن ك ر س ول ق و م و إ ن ل ك ح ق ا و ل ك ن ج ئ ت ن ا و ن ح ن م ر م ل ون ف ق ال ع ث م ان ب ن ع ف ان : أ ن ا أ ك س وه ح ل ة ص ف ور ي ة و ق ال ر ج ل م ن األ ن ص ار : ع ل ي ض ي اف ت ه «))). 3.3 حرية التنقل: منحت السنة النبوية للسفير حرية التنقل واالتصال بدولته فقد كان النبي- صلى هللا عليه وسلم- يسمح لسفراء قريش ومندوبيها في صلح الحديبية بأن يعودوا إليها ليتلقوا التعليمات منهم ونقل ما تم من التفاوض بينهم وبين النبي- صلى هللا عليه وسلم- ))) وقد أخذت الدول الحديثة بحرية السفير أو المبعوث في االتصال بدولته فنصت المادة) 37 ( من اتفاقية )فين ا( على أن» تسمح الدولة المعتمد لديها للبعثة الدبلوماسية بحرية االتصال من أجل كافة األغراض الرسمية وتحمي هذه الحرية وللبعثة في اتصالها بحكومة الدولة وكذا بالبعثات األخرى والقنصليات التابعة لها أينما وجدت وأن تستخدم كل وسائل االتصال المائمة ومن بينها الرسل الدبلوماسية والرسائل االصطاحية أو المحررة أو المشفرة» ))). ((( 4.4 الحماية والحصانة: وسيبحث في مبحث قادم أنواع السفارات: مما اتصفت به السفارة في اإلسام أنها كانت سفارة مؤقتة وخاصة ولها مقاصد عديدة ال يمكن حصرها وتنتهي بانتهاء مهمة الرسول التي جاء ألجلها ولم تكن سفارات دائمة كما نشاهد ذلك في وقتنا الحاضر»فالتطور والتغيير الذي دخل على العاقات الدولية والحاجة القائمة إلرسال السفراء والمبعوثين بين مدة وأخرى جعلت التمثيل السياسي يأخذ هذه الصورة الجديدة وهي البعثات السياسية الرسمية الدائمة وهو ما يعرف في العصر الحاضر ب )السفارات أو القنصليات(«))) فالتمثيل الدائم وليد العصور المتقدمة ولم يكن معروفا من قبل وقد أخذ القانون الوضعي بإقامة البعثات الرسمية الدائمة بين الدول في القرن الخامس عشر الميادي واستقر هذا النظام في القرن السابع عشر عندما بدأت المدن اإليطالية )فلورنسا والبندقية وجنوا( تشكل ))) ابن حنبل المسند:ج 27 ص 244 ح )16694( إسناده ضعيف لجهالة سعيد بن أبي راشد. ))) ينظر: محمد أحمد باشميل صلح الحديبية )بيروت: دار الفكر 1390 ه 1970 م( ط 1 : ص 177. ))) جعفر عبد السام قواعد القانون الدولي )القاهرة:مكتبة السام العالمي 1401 ه 1981 م( ط 1 : ص 47 محمد حافظ غانم الوجيز في القانون الدولي )مصر:دار النهضة العربية 1399 ه(: ص 393. ))) ينظر: ص 11. ))) سعيد المهيري العاقات الخارجية للدولة اإلسامية)لبنان: مؤسسة الرسالة 1416 ه( ط 1 :ص 326. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 103 2

13 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) دويات صغيرة تربط فيما بينها بعائق متنوعة مما اقتضى ذلك تبادل المبعوثين الدائمين ثم انتقل هذا النظام إلى الدول األخرى ))). المطلب الثاني:الحصانة الدبلوماسية للرسل والمبعوثين أحاطت السنة النبوية الرسل والمبعوثين الذين يفدون إلى ديار اإلسام باألمان وعدم التعرض لهم بأي اعتداء سواء كان قتا أو تعذيبا أو حبسا إذ جعلت لهم العصمة الكاملة عند إيفادهم من قبل أقوامهم وعاملتهم معاملة خاصة)حصانة دبلوماسية( ثم إن التعدي على الرسل والمبعوثين وقتلهم يفوت مصلحة المراسات والمخاطبات وطرق فض المنازعات ومن هنا أجمع الفقهاء على أن»الرسل ال يقتلون«))). دليل مشروعية الحصانة الدبلوماسية: من األدلة على اهتمام السنة النبوية بتوفير الحماية للرسل والمبعوثين وكفالتها الحصانة السياسية: 1 حديث 1. ح ار ث ة ب ن م ض ر ب ق ال :»خ ر ج ر ج ل ي ط ر ق ف ر س ا ل ه ))) ف م ر ب م س ج د ب ن ي ح ن يف ة ف ص ل ى ف يه ف ق ر أ ل ه م إم ام ه م ب ك ا م م س ي ل م ة ال ك ذ اب, ف أ ت ى اب ن م س ع ود ف أ خ ب ر ه ف ب ع ث إل ي ه م ف ج اء ب ه م ف اس ت ت اب ه م ف ت اب وا إ ال ع ب د هللا ب ن الن و اح ة ف إن ه ق ال ل ه : ي ا ع ب د هللا لوال أ ن ي س م ع ت ر س ول هللا - صلى هللا عليه وسلم- ي ق ول : ل و ال أ ن ك ر س ول ل ض ر ب ت ع ن ق ك, ف أ م ا ال ي و م ف ل س ت ب ر س ول, ي ا خ ر ش ة ق م ف اض ر ب ع ن ق ه ف ق ام ف ض ر ب ع ن ق ه «))) وفي هذا الفعل داللة واضحة على تطبيق الصحابة لمبدأ حصانة الرسل والمبعوثين فهذا المرتد- عبدهللا بن النواحة- منع النبي - صلى هللا عليه وسلم - قتله مع أن ردته سبب الستباحة دمه ألنه كان سفيرا لمسيل مة الكذاب ولم ا زالت صفة السفير عنه أمر عبد هللا بن مسعود - رضي هللا عنه - بقتله يقول الشوكاني:»الحديث يدل على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة اإلمام أو سائر المسلمين«))) ولذلك ذهب جمهور الفقهاء إلى أن األمان يثبت للرسل بغير ))) ينظر: محمد التابعي السفارات في اإلسام)مصر:مكتبة مدبولي( )د ت ط(:ص 80. ))) ينظر: الشيرازي المهذب في فقه االمام الشافعي)بيروت:دار المعرفة 1379 ه(:ج 2 ص 234 وشمس الدين الرملي نهاية المحتاج ( بيروت: دار الفكر 1404 ه(: ج 8 ص 61. ))) ي ط ر ق ف ر س ا ل ه: أي يضرب ينظر: ابن األثير النهاية في غريب الحديث)لبنان: المكتبة العلمية بيروت 1399 ه(: ج 3 ص 121. ))) عبدهللا بن محمد ابن أبي شيبة المصنف تحقيق: محمد عوامة )جدة:دار القبلة 1427 ه م( ط 1 كتاب السير باب ما قالوا في الرجل ي سلم ثم يرتد ما يصنع به:ج 7 ص 397 ح ) ( وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 6 ص 216 : «رجاله رجال الصحيح«. ))) محمد الشوكاني نيل األوطار من أحاديث سيد األخيار)لبنان: دار الجليل 1393 ه( )د ط(: ج 8 ص ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

14 شرط واحتجوا على ذلك بحديث تأمين رسل مسيلمة ))). ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) 2 حديث 2. أبي رافع القبطي - رضي هللا عنه - قال:» ب ع ث ت ن ي ق ر ي ش إ ل ى الن ب ي - ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م - ق ال : ف ل م ا ر أ ي ت الن ب ي - ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م - و ق ع ف ي ق ل ب ي اإل س ا م ف ق ل ت : ي ا ر س ول هللا ال أ ر ج ع إ ل ي ه م ق ال : إ ن ي ال أ خ يس ب ال ع ه د و ال أ ح ب س ال ب ر د ار ج ع إ ل ي ه م ف إ ن ك ان ف ي ق ل ب ك ال ذ ي ف يه اآلن ف ار ج ع «))) فقوله - صلى هللا عليه وسلم-:)و ال أ ح ب س ال ب ر د ( أي:ال أحبس الرسل وذلك ألن الرسول أو السفير له دور كبير في إبرام االتفاقات أو التحالفات ومنع حدوث الحرب فكان ينبغي توفير الحماية واألمن له ألن عقد األمان ي راعى مع الكافر كما ي راعى مع المسلم يقول السرخسي:»إذا وجد الحربي في دار اإلسام فقال: أنا رسول الملك فإن أخرج كتابا عرف أنه كتاب ملكهم كان آمنا حتى يبلغ رسالته ويرجع ألن الرسل لم تزل آمنة في الجاهلية واإلسام وألن أمر القتال والصلح ال يتم إال بالرسل فا بد من أمان الرسل ليتوصل إلى المقصود ولما تكلم رسول بين يدي النبي - صلى هللا عليه وسلم- بما كرهه قال: «ل و ال أ ن ك ر س ول ل ض ر ب ت ع ن ق ك» ))) وفي هذا دليل أن الرسول آمن حتى لو لم يتمكن من إقامة البينة على أنه رسول فلو كلفناه ذلك أدى إلى الضيق والحرج وهذا مدفوع فلهذا يكتفى بالعامة والعامة أن يكون معه كتاب يعرف أنه كتاب ملكهم فإذا أخرج الكتاب فالظاهر أنه صادق والبناء على الظاهر واجب فيما ال يمكن الوقوف على حقيقته«))) وقد أكد النبي- صلى هللا عليه وسلم- على أهمية هذا الحق وجعل االعتداء المتعمد على السفير سببا في الغزو ودل على ذلك ما حدث ((( في غزوة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة حينما قتل الحارث بن ع مير األزدي الم رسل إلى ملك الروم وبصرى الشام فالسفير يرمز إلى دولته التي أوفدته ولذا استوجب أن يحاط بالحماية والرعاية وأن قتله واالعتداء عليه ي عد إعان حرب على ))) ينظر:كمال الدين المعروف بابن الهمام فتح القدير )دمشق دار الفكر د ط ت(:ج 6 ص 23 عاء الدين المرداوي الحنبلي اإلنصاف في معرفة الراجح من الخاف ) عالم الكتب 1985 م(:ط 4 ج 4 ص 208 محمد بن مفلح الفروع ) عالم الكتب 1405 ه(:ط 4 ج 6 ص 25 عز الدين عبد العزيز بن عبد السام قواعد األحكام في مصالح األنام)بيروت: دار الكتب العلمية د ت ط( ج 1 ص 110. ))) ابن حنبل المسند: ج 28 ص 230 ح )17015( والحديث صحيح إذ إن كل رواته ثقات. ))) سبق تخريجه ص 11. ))) شمس الدين السرخسي المبسوط)بيروت: دار المعرفة 1406 ه م( )د ط(:ج 10 ص 92. ))) الحارث بن عمير األزدي أحد بني لهب بعثه رسول هللا - صلى هللا عليه وسلم- بكتابه إلى الشام إلى ملك الروم وقيل: إلى صاحب بصرى فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فأوثقه رباط ا ثم قدم فضربت عنقه صبرا ولم يقتل لرسول هللا صلى هللا عليه و س ل م رسول غيره. ينظر: يوسف بن عبد هللا القرطبي االستيعاب في معرفة األصحاب تحقيق: علي محمد البجاوي)دار الجيل بيروت 1412 ه( ط 1 :ج 1 ص 391. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 105 2

15 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) دولته وقد نص الفقهاء استضاءة بالهدي النبوي السديد على أن إعطاء رئيس الدولة األمان للرسل والمبعوثين ليس مقصورا على عهده بل يستمر هذا األمان حتى عند موته أو عزله ))) وهذه سنة صريحة تؤكد مبدأ الحصانة الدبلوماسية في اإلسام وتعد اللبنة األساسية القوية والقاعدة الرصينة في إرساء أسس الحصانة الدبلوماسية الحديثة فمضت السنة بعد ذلك على أن الرسل ال يقتلون وال يضطهدون وال يسجنون وال يحتجزون بل لهم الحق في التعامل الحسن والرعاية الكاملة وظل هذا نهج ا متبع ا لم تتخل عنه الدولة اإلسامية ))) يقول ابن القيم:»وكانت ت ق د م عليه- أي النبي- صلى هللا عليه وسلم - رسل أعدائه وهم على عداوته فا يهيجهم وال يقتلهم ذلك أنه جرت السنة أال يقتل رسول«))). الحصانة الدبلوماسية في القانون الدولي: لم تهتد القوانين المعاصرة إلى هذا التشريع إال في وقت متأخر جدا في اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب سنة) 1907 م( وفي اتفاقية )فينا( عام ) 1961 م( حيث نصت المادة )29( فيها على ما يأتي:»تكون ذات المبعوث الدبلوماسي مصونة وال يجوز إخضاعه ألي تدبير من تدابير القبض عليه أو احتجازه ويحسب على الدولة المعتمد لديها أن تعامله باالحترام الائق وأن تتخذ كافة التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته«))) فنجد اتفاقا بين القانون الدولي المعاصر والنظام السياسي اإلسامي في وجوب الحصانة الشاملة للمبعوثين والسفراء وحتى العاملين في السلك الدبلوماسي لتمكينهم من آداء وظائفهم دون عائق وكان هذا مدعاة للفخر للسنة النبوية لفضل سبقها في تشريع هذا القانون وتطبيقها له. المطلب الثالث: األمان )اللجوء السياسي( جاءت رسالة اإلسام دعوة للناس كافة وينبغي للمسلمين أن يتخذوا من الوسائل ما يمك نهم من إباغ هذه الدعوة وتعريف الناس بها فكان مبدأ األمان وسيلة سانحة لتبليغ دعوة هللا تعالى الختاط الكفار بالمسلمين ولو لمدة مؤقتة يتعرفون فيها على الدين وتعاليمه بما قد يكون عونا لهم على الفهم الصحيح لإلسام والدخول فيه فتكون الدعوة إلى الدين ))) عبد هللا بن قدامة المغني في فقه اإلمام أحمد بن حنبل)بيروت:دار الفكر 1405 م( ط 1 :ج 8 ص 462. ))) ينظر: محمد الصادق عفيفي تطور التبادل الدبلوماسي في اإلسام)القاهرة:مكتبة األنجلو المصرية 1986 م( ط 1 ص 83. ))) ابن القيم الجوزية زاد المعاد في هدي خير العباد)بيروت: مؤسسة الرسالة 1415 ه( ط 27 :ج 2 ص 75. ))) ينظر: محمد التابعي السفارات في اإلسام الملحق الثاني: اتفاقية فينا للعاقات الدبلوماسية: ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

16 ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) بأيسر الطرق ))) مم ا يؤكد الطابع اإلنساني والعالمي للدعوة اإلسامية ووظيفتها الحضارية دخول أغلب مشركي الجزيرة في اإلسام قبل مرور مدة األمان الممنوحة لهم وهي أربعة أشهر يتدبرون فيها أمرهم وموقفهم من الدعوة ويتعرفون على حقيقة اإلسام وما يقاتلون عليه ولو كان القتال لرد العدوان ما منحهم أمانا يتقوون في مدته على المسلمين ولو كان القتال لمجرد القتل ما منحهم فرصة التدبر والدخول في اإلسام والنجاة من القتل فتبين أن األمان قد شرع رحمة بالناس إذ إنه بمنزلة الباب الذي يدخل منه كل من هداه هللا إلى اإلسام من أهل الحرب ولو كان في ميدان القتال ))). تعريف األمان )اللجوء السياسي(: «رفع استباحة دم الحربي ورق ه وماله حين قتاله: أو العزم عليه مع استقراره تحت حكم اإلسام مدة معينة«))) وهذا المصطلح من المصطلحات الحديثة في الفقه السياسي ولم يتعرض له فقهاء اإلسام بهذا االسم عندما تكلموا عن عقد األمان والمستأمن في كتب الفقه اإلسامي وإن كنا نفهم معناه عند كامهم عن مستأمن, وقد أطلق هذا المصطلح في القانون الدولي على الحماية التي تمنحها الدولة فوق أراضيها أو فوق مكان تابع لسلطتها لفرد طلب منها هذه الحماية والهدف منه إنقاذ حياة أشخاص أو حريتهم يعتبرون أنفسهم مهددين في بادهم ))). مشروعيتة: أصل عقد األمان ورد في قوله تعالى: { و إ ن أ ح د م ن ال م ش ر ك ين اس ت ج ار ك ف أ ج ر ه ح ت ى ي س م ع ك ل م هللا ث م أ ب ل غ ه م أ م ن ه ذ ل ك ب أ ن ه م ق و م ال ي ع ل م ون } )التوبة: ٦( فاآلية صريحة في وجوب إعطاء الحربي األمان إذا طلبه وكان لغرض مشروع: كسماع القرآن وفهم أحكامه وأوامره ونواهيه أو االستماع إلى دعوة اإلسام أو لتجارة أو غير ذلك بشرط عدم معارضتها لمصلحة المسلمين والهدف من ذلك إظهار عظمة اإلسام ويسره وسماحته مع مخالفيه وبيان» أن دواعي طلب األمان ليست مقصورة في الشريعة اإلسامية على سماع كام هللا وإنما هي تتسع لدواع عديدة دينية كانت أم دنيوية«))). ))) ينظر: عثمان ضميرية العاقات الدولية في اإلسام )االردن: اآلفاق المشرقة عمان 2011 م( ط 1 : ص 47 ))) ينظر: عبد العزيز صقر العاقات الدولية في اإلسام وقت الحرب منشور ضمن بحوث العاقات الدولية بين األصول اإلسامية وبين خبرة التاريخ اإلسامي 2000 م ط 1 :ج 1 ص 459. ))) محمد األنصاري شرح حدود ابن عرفة)دار الغرب اإلسامي 1993 م( ط 1 : ص 221. ))) عبد الوهاب الكيالي الموسوعة السياسية )لبنان:المؤسسة العربية للنشر بيروت 1979 م(:ج 5 ص 467. ))) محمد الحليبة حق اللجوء السياسي بين الشريعة اإلسامية واألنظمة الوضعية رسالة ماجستير 1422 ه أكاديمية نايف العربية الرياض: 194. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 107 2

17 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) اهتمام النبي- صلى هللا عليه وسلم- بمبدأ األمان: أولت السنة النبوية مبدأ األمان )اللجوء السياسي( اهتماما خاصا ووضعت ضوابط وأحكاما تشريعية سياسية في التعامل به يخضع لها جميع األفراد والمجتمع حماية ورعاية لحقوق المؤ م نين والمستأمنين ومنها: منح األمان لكل فرد مسلم بالغ عاقل مختار ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو عبدا فعن أم هانئ - رضي هللا عنها - قالت: «ذه ب ت إ ل ى ر س ول هللا - صلى هللا عليه وسلم - ع ام ال ف ت ح... ف ق ل ت : ي ا ر س ول هللا ز ع م اب ن أ م ي ع ل ي أ ن ه ق ات ل ر ج ا ق د أ ج ر ت ه ف ا ن ب ن ه ب ي ر ة ف ق ال ر س ول هللا - صلى هللا عليه وسلم - ق د أ ج ر ن ا م ن أ ج ر ت ي ا أ م ه ان ئ ق ال ت أ م ه ان ئ و ذ ل ك ض ح ى«))) فأجاز النبي صلى هللا عليه وسلم أمان أم هانئ البن هبيرة المشرك واحترم جوارها وأعطاها حق إعطاء اللجوء السياسي لمن يلجأ إليها واعتبر ذلك تصرفا صحيحا ونافذا. ومع تطور الزمان واختاف الظروف والمصالح الدولية أصبح ال يمكن ألفراد المجتمع منح األمان لطالبه ألن الخليفة أصبح نائبا عن األمة منوطا به تحقيق مصالح األمة ودفع المضار عنها لذا أجمع العلماء كافة على أن أمان الخليفة جائز ويقع ضمن دائرة اختصاصه. وقد فتح األمان الطريق إلسام من سبق لهم رفض دعوة اإلسام وتكذيبها وناصبها العداء كأبي سفيان وصفوان بن أمية وأهل مكة فعن أبي هريرة- رضي هللا عنه- قال: قال النبي - صلى هللا عليه وسلم-: «... م ن د خ ل د ار أ ب ى س ف ي ان ف هو آم ن...» ))) فكان أمان عام منحه النبي - صلى هللا عليه وسلم - ألهل قريش كما أنه أعطى أمانا خاصا لصفوان بن أمية رجاء إسامه فعن عروة بن الزبير قال:»خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب: يا نبي هللا إن صفوان بن أمية سيد قومه وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فأمنه - صلى هللا عليك - قال: هو آمن قال: يا رسول هللا فأعطني آية يعرف بها أنه أمانك فأعطاه رسول هللا- صلى هللا عليه وسلم- عمامته التي دخل فيها مكة...» ))). موقف المواثيق الدولية الخاصة بحقوق اإلنسان من مبدأ األمان: نظرا لكثرة الحروب والصراعات بين الدول في الوقت الراهن وتضاعف أعداد الاجئين السياسيين وغير السياسيين الذين فروا من بادهم هربا من االضطهاد وسوء المعاملة ))) البخاري الجامع الصحيح كتاب الخمس باب أمان النساء وجوارهن:ج 3 ص 1157 ح )3000(. ))) مسلم صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب فتح مكة:ج 3 ص 1405 ح )1780(. ))) ابن هشام السيرة النبوية تحقيق:طه سعد )لبنان:دار الجيل بيروت 1411 ه(ط 1 :ج 5 ص 81 والقصة إسنادها مرسل 108 ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

18 ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) وانتقاص حقوقهم اآلدمية إلى مكان طالبين فيه األمان لهم ولذويهم عنيت المواثيق الدولية بحقوق اإلنسان ودعت إلى احترامها وااللتزام بأحكامها وكان في مقدمة هذه الحقوق التي أخذت طابعا دوليا عاما حق اللجوء )األمان( مما جعل بعض الباحثين يعتقدون أن مبدأ األمان )اللجوء السياسي( هو وليد القرون المتأخرة المتمثل باألنظمة الوضعية الحديثة وهذا مجرد كام ال يقوم عليه دليل فالماحظ أن الدولة اإلسامية قد أعطت األمان لكثير من الحربيين منذ وقت مبكر وعملت على توفير كل أشكال الحماية والرعاية لهم فالتأصيل الفقهي لمبدأ األمان ثبت مشروعيته في كثير من النصوص الشرعية والتي توضح بجاء مدى أسبقية اإلسام في ممارسته وجعله قاعدة دستورية عامة علما بأن أول ظهور لمصطلح اللجوء السياسي ظهر» في القرن الثامن عشر في عام ) 1794 م( في فرنسا ثم أقر بعد ذلك في أكسفورد مجمع القانون الدولي«))). المطلب الرابع: المكاتبات والرسائل )المذكرات الدبلوماسية( بعد أن توطدت دعائم الدولة اإلسامية في المدينة المنورة وتكامل نظامها كان التعريف باإلسام والدعوة إليه واالعتراف به هو الهدف األول للمكاتبات والرسائل )المذكرات الدبلوماسية( ))) التي أرسلها النبي - صلى هللا عليه وسلم- إلى الملوك واألمراء ورؤساء القبائل تحقيقا ألمر هللا }ي ا أ ي ه ا الر س ول ب ل غ م ا أ ن ز ل إ ل ي ك م ن ر ب ك و إ ن ل م ت ف ع ل ف م ا ب ل غ ت ر س ال ت ه } )المائدة: ٦٧ (إذ إن اإلسام دعوة عالمية ورسالة خاتمة لجميع الرساالت السابقة يجب تبليغها ال تنحصر في قوم أو شعب بل يجب أن تبلغ اآلفاق. السعي لتحقيق االعتراف بالدولة اإلسالمية والرئاسة المحمدية لها:»إن اعتراف الدول بكيان جديد يعني اعترافا بنظام الحكم فيه وهو محصلة طبيعية ومكملة لخطوة االعتراف بهذا الكيان كعنصر متمم لنشوء الدولة ويعتبر هذا االعتراف حقا لشعب تلك الدولة في تقرير مصيرها«))) لذا: 1 كاتب 1. النبي- صلى هللا عليه وسلم- الملوك واألمراء ورؤساء القبائل داخل الجزيرة العربية وخارجها ليحقق االعتراف المتبادل بين الدولة اإلسامية بقيادته والدول األخرى فعن أنس بن مالك- رضي هللا عنه - قال:» إن ن ب ي هللا - صلى هللا عليه وسلم- ك ت ب إ ل ى ك س ر ى و إ ل ى ق ي ص ر و إ ل ى الن ج اش ي و إ ل ى ك ل ج ب ار ي د ع وه م إ ل ى ))) حسام محمد سعد سباط اللجوء السياسي في اإلسام )بيروت:دار البيارق 1997 م(ط 1 : ص 9. ))) المذكرات الدبلوماسية: هي الخطابات المكتوبة المتبادلة بين الدول التي توضح رأي الدولة في قضية معينة وهو مصطلح متداول في الوقت الحاضر ولم يستخدم في عهد النبي - صلى هللا عليه وسلم- إال تحت مصطلح كتاب أو رسالة. سهيل الفتاوي الدبلوماسية اإلسامية )بيروت دار الفكر العربي 2001 (ط 1 :ص 69. ))) خالد الشيخ الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي:ص 141. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 109 2

19 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) هللا ت ع ال ى و ل ي س ب الن ج اش ي ال ذ ي ص ل ى ع ل ي ه الن ب ي - صلى هللا عليه وسلم-«))) ولهذا أرسل صلوات هللا عليه وسلم ستة سفراء في غداة واحدة وأتبعهم بآخرين فكانت رسائله شاملة لجميع األمم المحيطة بالعرب من جميع الجهات وشاملة لجميع عظماء العرب فالمقوقس في مصر وما وراءه وكسرى في الشرق وما وراءه وكان أعظم ملوك الشرق وهرقل وما وراءه من الدولة الرومانية والنجاشي وما وراءه في إفريقيا وسطها وشرقها وجميع سادة العرب في اليمامة وتهامة ونجد وخليج عمان وحضرموت وأطراف الشام والعراق وأهل نجران واليمن وحمير وهمذان. ومن استقراء هذه البعثات ندرك أنها توجهت إلى جميع ذوي السلطة والسيادة في العالم آنذاك ولهذا قال أنس بن مالك كما تقدم في الحديث قوله: كتب النبي صلى هللا عليه وسلم إلى كسرى ))) وقيصر ))) والنجاشي ))) وأكيدر دومة الجندل ))) وإلى كل جبار يدعوهم إلى هللا تعالى«))). 2 تميزت 2. تلك المكاتبات والرسائل باللباقة في الكتابة واللغة وحسن المرونة واإليجاز وأسلوب خطاب مائم لمن أرسل إليه ومن المعروف أن اللغة )الدبلوماسية( تتميز بالدقة واالختصار والوضوح» فكل عبارة أو اصطاح يمكن تفسيره تفسيرا يتفق مع وجهة النظر األخرى ولذلك كانت الدقة في اللغة الدبلوماسية من األساسات الضرورية» (((. 3 كان 3. - صلى هللا عليه وسلم - القدوة في تطبيق الدبلوماسية السياسية فقد انتهج في مكاتباته ورسائله مع الملوك والرؤساء أرقى أساليب التعامل فكان نموذجا ي حتذى ))) مسلم صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب كتب النبي - صلى هللا عليه وسلم - إلى ملوك الكفار ج 3 ص 1397 ح.)1774( ))) ك س رى:اسم م ل ك الف ر س هو بالفارسية خ س ر و أ ي واسع الملك انظر: ابن منظور لسان العرب ج 5 :ص 142 مادة»كسر«. ))) قيصر:لقب هرقل ملك الروم وبه يلقب كل من ملك الروم. انظر: المصدر السابق:ج 5 : 104 مادة»قصر«. ))) الن جاشي والن جاش ي : كلمة للحب ش ت س مي بها ملوكها: وهو اسم ملك الحبشة. ينظر المصدر السابق: ج 6 :ص 351»نجش«. ))) أكيدر د و مة: أ كيدر تصغير أكدر ودومة:بلد بين الحجاز والشام وهي مدينة بقرب تبوك بها نخل وزرع وحصن على عشر مراحل من المدينة وثمان من دمشق وكان أكيدر ملكها. ينظر: أحمد بن حجر فتح الباري بشرح صحيح البخاري )لبنان:دار المعرفة 1379 ه(:ج 5 ص 273. ))) محمد بوبوش تطور الدبلوماسية اإلسامية عبر العصور مقال منشور على شبكة االتصاالت العالمية )االنترنت( موقع من أجل المملكة. ))) محمد التابعي السفارات في اإلسام:ص ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

20 ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) به إلى جانب ما اتسمت به كتاباته التي تدل بأسلوبها ومحتواها على حكمة مرسلها ويتبين ذلك مما يأتي: أ. بدأت تلك المكاتبات والرسائل بأسلوب قائم على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة تنفيذا لقوله تعالى: { اد ع إ ل ى س ب يل ر ب ك ب ال ح ك م ة و ال م و ع ظ ة ال ح س ن ة و ج اد ل ه م ب ال ت ي ه ي أ ح س ن } )النحل: ١٢٥ ( ولذا لم يجد )المقوقس( عظيم القبط في مصر من كلمة يعبر بها عند استامه لكتاب رسول هللا - صلى هللا عليه وسلم - الذي حمله إليه حاطب بن أبي بلتعه- رضي هللا عنه- إال أن قال:» أحسنت أنت حكيم من عند حكيم )))» ))) وقد أجمعت المصادر األجنبية المعتمدة على أن هرقل كان شديد التدين عظيم اإليمان, فليس من الغريب أن يستهويه الكتاب النبوي وما جاء فيه - بالرغم من إيجازه - من رفق الدعوة وحكمة النبوة وليس من المبالغ فيه, ما جاء حول تجاوبه مع الكتاب النبوي تجاوبا واضحا ولكن تجاوب هرقل لم يخرج أبدا إلى حيز التنفيذ, إذ كان ملكه ومصيره في حاضره ومستقبله أغلى عليه من اإليمان, فآثر الدنيا على اآلخرة, وما عند الناس على ما عند هللا» ))). ب. سلوك»النبي- صلى هللا عليه وسلم- في كتبه تلك أدب النبوة فطرق باب الملوك الرؤساء وأرسل لهم هؤالء المبعوثين الدبلوماسيين بكلمة السام )أ س ل م ت س ل م ( ولم يحاول أن يهيج أحد منهم فكانت كلمته القرآنية { ق ل ي ا أ ه ل ال ك ت اب ت ع ال و ا إ ل ى ك ل م ة س و اء ب ي ن ن ا و ب ي ن ك م أ ال ن ع ب د إ ال هللا و ال ن ش ر ك ب ه ش ي ئ ا و ال ي ت خ ذ ب ع ض ن ا ب ع ض ا أ ر ب اب ا م ن د ون هللا ف إ ن ت و ل و ا ف ق ول وا اش ه د وا ب أ ن ا م س ل م ون } )آل عمران: ٦٤ («))). ج. مخاطبة الملوك الرؤساء بصفاتهم التي منحتها شعوبهم لهم دون التقليل من شأنهم ومكانتهم وال تحقيرهم كما حملهم تبعات رفض دعوته وعدم فتح الطريق أمام رسله للتعريف باإلسام لمكانتهم في االهتداء واإلضال لمن يحكمونهم ويتولون أمرهم ويتضح ذلك من خال رسالته إلى هرقل فعن عبد هللا بن عباس - رضي هللا عنهما-: قال:»كتب رسول هللا - صلى هللا عليه وسلم - إ ل ى ق ي ص ر ي د ع وه إ ل ى اإل س ا م فقال:... ب س م هللا الر ح م ن الر ح يم م ن م ح م د ع ب د هللا و ر س ول ه إ ل ى ه ر ق ل ع ظ يم الر وم س ا م ع ل ى م ن ات ب ع ال ه د ى أ م ا ب ع د : ف إ ن ي أ د ع وك ب د ع اي ة اإل س ا م ))) علي بن برهان الحلبي: السيرة الحلبية )بيروت:دار المعرفة 1400 ه( د ط:ج 3 ص 296. ))) المهيري العاقات الخارجية:ص 340 ))) محمود خطاب السفارات النبوية)بغداد: المجمع العلمي العراقي 1986 م(:ص 79. ))) محمد عفيفي تطور التبادل الدبلوماسي:ص 73. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 111 2

21 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) أ س ل م ت س ل م ي ؤ ت ك هللا أ ج ر ك م ر ت ي ن ف إ ن ت و ل ي ت ف إ ن ع ل ي ك إ ث م األ ر يس ي ين...» ))) فتبين تلك الرسائل النبوية أن دين اإلسام هو دين حضارة حيث جعل السام فضيلة يسعى لها وشعارا للدولة اإلسامية في عاقاتها الدبلوماسية فإن لم يكن فالحرب. د. اتخاذ الرسول - صلى هللا عليه وسلم - بما تعارف عليه الملوك واألمراء عند المكاتبات خاتما حين وصل إلى علمه أن العجم ال يقبلوا كتابا وال يحترمون رسالة مرسلة إليهم إال إذا كانت مختومة فعن أنس - رضي هللا عنه - قال:» ل م ا أ ر اد الن ب ي - صلى هللا عليه وسلم- أ ن ي ك ت ب إ ل ى الر وم ق يل ل ه : إ ن ه م ال ي ق ر ؤ ون ك ت اب ا إ ال أ ن ي ك ون م خ ت وم ا ف ات خ ذ خ ات م ا م ن ف ض ة ف ك أ ن ي أ ن ظ ر إ ل ى ب ي اض ه ف ي ي د ه و ن ق ش ف يه م ح م د ر س ول هللا» ))) وهذا إن دل فإنما يدل على أن التطبيق اإلداري العملي في المراسات. أهمية الردود على مكاتبات ورسائل النبي- صلى هللا عليه وسلم- اختلفت ردود الملوك والرؤساء على رسائل النبي- صلى هللا عليه وسلم- فمنهم من رد الرد اللطيف كهرقل عظيم الروم والمقوقس عظيم القبط وملك الحبشة فأرسلوا الرسل محملين بالهدايا إلى رسول هللا- صلى هللا عليه وسلم- فكان ذلك اعترافا منهم بدولة اإلسام وقبول رئاسة النبي صلى هللا عليه وسلم لدولة اإلسام ومنهم من رد الرد الشنيع ككسرى ملك الفرس الذي مزق كتاب رسول هللا فعن عبد هللا بن عباس- رضي هللا عنهما- «أ ن ر س ول هللا - صلى هللا عليه وسلم - ب ع ث ب ك ت اب ه ر ج ا و أ م ر ه أ ن ي د ف ع ه إ ل ى ع ظ يم ال ب ح ر ي ن ف د ف ع ه ع ظ يم ال ب ح ر ي ن إ ل ى ك س ر ى ف ل م ا ق ر أ ه م ز ق ه ف ح س ب ت أ ن اب ن ال م س ي ب ق ال : ف د ع ا ع ل ي ه م ر س ول هللا - صلى هللا عليه وسلم - أ ن ي م ز ق وا ك ل م م ز ق «))) «ولقد استقر الرأي عند أهل القانون الدولي والعاملين في مجال العاقات الدولية أن إنشاء عاقات دبلوماسية بين بلدين- من خال إقامة السفارات بين بلدين- يعتبر دليا على إرادة هذين البلدين للتعايش فيما بينهما على أساس من السام والعاقات الودية كما أن سحب السفراء أو عدم قبولهم أو إلغاء وتجميد عمل السفارات يعد مؤشرا على عدم إرادة مثل هذه العاقات وربما تصل األمور إلى إعان الحرب«))). ))) البخاري الجامع الصحيح كتاب بدء الوحي باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول هللا:ج 1 ص 7 ح )7(. ))) المصدر السابق كتاب الجهاد والسير باب دعوة اليهود والنصارى:ج 3 ص 1074 ح )2780(. ))) المصدر السابق كتاب المغازي باب كتاب النبي- صلى هللا عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر:ج 4 ص 1610 ح )4162( ))) خالد الشيخ الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي:ص ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

22 المطلب الخامس: الوفاء بالمعاهدات المعقودة ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) تعريف المعاهدات:عند الفقهاء: موادعة المسلمين والمشركين سنيين معلومة ))). في القانون الدولي الحديث: تطلق المعاهدات على االتفاقات الدولية الهامة ذات الطابع السياسي كمعاهدات الصلح أو التحالف وما عداها يطلق عليه كلمة «اتفاقية«))). أص لت السنة النبوية قواعد القانون الد ولي العام قبل ظهور القوانين الدولية المعاصرة حيث ع د ت هذه المعاهدات والمواثيق مصدرا للقوانين الدولية ووضعت قاعدة حرمة المعاهدات وقدسيتها س لما وحربا والتي كان لها أثر كبير في تنمية العاقات الدولية وحل المشكات والنزاعات بين األفراد والجماعات وهذا يؤكد على عالمية السنة النبوية التي حرصت على تحقيق مصالح اإلنسانية وحقوق اإلنسان من خال الوفاء بالمعاهدات المعقودة فاألخاق الفاضلة وقيمها مطلب لجميع العقاء في كل األمم والمجتمعات قديما وحديثا «والدولة اإلسامية متمثلة بقائدها محمد- صلى هللا عليه وسلم- أعطت المعاهدات اهتماما بالغا لم تعطه لها أية دولة أو نظام أو قانون فهي تتشدد في احترام هذه المعاهدات وتجعل ذلك أساسا في بنائها السياسي وترفض أن تجعل من المصالح الذاتية - التي تتعلل بها الدول في العصر الحديث - سببا لنقض المعاهدات التي أبرمتها مع غيرها كما ال تجد سببا لنقضها إال بانتهاء أمدها أو مخالفتها لإلسام«))). نموذج نبوي في الوفاء بالمعاهدات:)صلح الحديبية( من أشهر المعاهدات التي عقدها النبي - صلى هللا عليه وسلم- ص لح الحديبية فكانت هذه المعاهدة بحق» أنموذجا فريدا للمعاهدات الدولية بما سبقها من مفاوضات وما حوته من شروط«))) حيث جرت مفاوضات بين - الرسول صلى هللا عليه وسلم - وبين أهل مكة انتهت ببنود صلح من أهمها: وضع الحرب فيما بينهم مدة عشر سنوات وأنه من جاء من أهل مكة مسلما إلى الرسول - صلى هللا عله وسلم - رده إليهم في حين أنه من جاءهم من عند رسول هللا - صلى هللا عليه وسلم- ال يرد إليه وبعد االنتهاء من كتابة بنود المعاهدة جاء أبو جندل - رضي هللا عنه - هاربا من المشركين وهو في قيوده فقام برده - صلى هللا عليه وسلم- إلى المشركين وفاء بما اتفق عليه في معاهدة الحديبية التي ))) محمد بن الحسن الشيباني شرح السير الكبير تحقيق: محمد حسن إسماعيل )بيروت:دار الكتب العلمية 1417 ه( ط 1 :ج 5 ص ))) علي صادق أبو هيف القانون الدولي:ص 525. ))) سعيد المهيري العاقات الخارجية للدولة اإلسامية:ص 147. ))) علي محمد الص ابي السيرة النبوية:ج 2 ص 357. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 113 2

23 السياسة الخارجية يف ضوء السنة النبوية ( ) عقدها معهم فع ن ال ب ر اء ب ن ع از ب - ر ض ي هللا ع ن ه م ا- ق ال :» ص ال ح الن ب ي - ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م - ال م ش ر ك ين ي و م ال ح د ي ب ي ة ع ل ى ث ل ث ة أ ش ي اء : ع ل ى أ ن م ن أ ت اه م ن ال م ش ر ك ين ر د ه إ ل ي ه م و م ن أ ت اه م م ن ال م س ل م ين ل م ي ر د وه و ع ل ى أ ن ي د خ ل ه ا م ن ق اب ل و ي ق يم ب ه ا ث ل ث ة أ ي ام و ال ي د خ ل ه ا إ ال ب ج ل ب ان الس ا ح الس ي ف و ال ق و س و ن ح و ه ف ج اء أ ب و ج ن د ل ي ح ج ل ف ي ق ي ود ه ف ر د ه إ ل ي ه م «))) وعندما صرخ أبو جندل مستنجدا بالمسلمين طمأنه الرسول - صلى هللا عليه وسلم - بقوله: «ي ا أ ب ا ج ن د ل اص ب ر و اح ت س ب ف إ ن هللا -ع ز و ج ل - ج اع ل ل ك و ل م ن م ع ك م ن ال م س ت ض ع ف ين ف ر ج ا و م خ ر ج ا إ ن ا ق د ع ق د ن ا ب ي ن ن ا و ب ي ن ال ق و م ص ل ح ا ف أ ع ط ي ن اه م ع ل ى ذ ل ك و أ ع ط و ن ا ع ل ي ه ع ه د ا و إ ن ا ل ن ن غ د ر ب ه م» ))) وفي أعقاب صلح الحديبية عاد النبي - صلى هللا عليه وسلم- إلى المدينة المنورة قام أبو بصير بالفرار من كفار قريش في مكة المكرمة فأرسلت قريش اثنين من رجالها في أثره فوجدوه عند الرسول - صلى هللا عليه وسلم- فطلبوه تنفيذا لشروط معاهدة الصلح المعقودة فأعطاه الرسول إليهم فعن عروة بن الزبير - رضي هللا عنه -:»... ثم ر ج ع - الن ب ي ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م إ ل ى ال م د ين ة - ف ج اء ه أ ب و ب ص ير ر ج ل م ن ق ر ي ش - و ه و م س ل م ف أ ر س ل وا ف ي ط ل ب ه ر ج ل ي ن ف ق ال وا: ال ع ه د ال ذ ي ج ع ل ت ل ن ا ف د ف ع ه إ ل ى الر ج ل ي ن» ))) فقد التزم النبي- صلى هللا عليه وسلم- بالشروط المكتوبة في المعاهدات فكان خير من وف ى بها لما فيها من خير في تحقيق المصالح وها نحن اليوم نرى القوانين واألنظمة الوضعية تفصل بين األخاق والسياسة فا مكان لألخاق فيها فالغاية تبرر الوسيلة بل أننا نجد مع كثرة المنظمات الدولية العالمية في الحاضر لم تستطع أي منها أن تنف ذ عهد ا أو تحترم ميثاق ا كما احترمه الرسول - صلى هللا عليه وسلم وطبقه في سياسته يقول أبو رافع: «ب ع ث ت ن ي ق ر ي ش إ ل ى الن ب ي - ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م - ق ال : ف ل م ا ر أ ي ت الن ب ي - ص ل ى هللا ع ل ي ه و س ل م - و ق ع ف ي ق ل ب ي اإل س ا م ف ق ل ت : ي ا ر س ول هللا ال أ ر ج ع إ ل ي ه م ق ال : إ ن ي ال أ خ يس ب ال ع ه د ))) و ال أ ح ب س ال ب ر د ار ج ع إ ل ي ه م ف إ ن ك ان ف ي ق ل ب ك ال ذ ي ف يه اآلن ف ار ج ع «))) ومن الهدي النبوي في المعاهدات أن النبي- صلى هللا عليه وسلم - ي مضي عهد أصحابه إذا عاهدوا أحدا من المشركين ما دام أن هذا العهد ال يضر بالمسلمين كما في حادثة حذيفة بن اليمان وأبي حسيل عندما أخذ عليهم المشركون عهدا أن ال يشتركا بالقتال مع الرسول - صلى هللا عليه وسلم - ضدهم فأمضى لهم ذلك فعن ح ذ ي ف ة ب ن ال ي م ان - رضي هللا عنه - ق ال : «م ا م ن ع ن ي أ ن أ ش ه د ب د ر ا إ ال أ ن ي خ ر ج ت ))) البخاري الجامع الصحيح كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد والمصالحة: ج 2 ص 947 ح )2581( ))) أحمد ابن حنبل المسند:ج ص 219 ح) ( والحديث إسناده حسن. ))) البخاري الجامع الصحيح كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد والمصالحة:ج 2 ص 947 ح )2581(. ))) ال أ خ يس ب ال ع ه د: أي ال أنقضه وال أفسده ينظر: ابن األثير النهاية في غريب الحديث: ج 2 ص 92. ))) سبق تخريجه: ص ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 2

24 ميساء عيل روابدة / عزيزة صالح عليوة ( ) أ ن ا و أ ب و ح س ي ل ق ال : ف أ خ ذ ن ا ك ف ار ق ر ي ش ق ال وا: إ ن ك م ت ر يد ون م ح م د ا ف ق ل ن ا: م ا ن ر يد ه م ا ن ر يد إ ال ال م د ين ة ف أ خ ذ وا م ن ا ع ه د هللا و م يث اق ه ل ن ن ص ر ف ن إ ل ى ال م د ين ة و ال ن ق ات ل م ع ه ف أ ت ي ن ا ر س ول هللا - صلى هللا عليه وسلم- ف أ خ ب ر ن اه ال خ ب ر ف ق ال : ان ص ر ف ا ن ف ي ل ه م ب ع ه د ه م و ن س ت ع ين هللا ع ل ي ه م «))) وكان من ثمرة الوفاء بالمعاهدات «أن فتحت قلوب المشركين للمسلمين حيث أصبحوا أعوانا لهم على أعدائهم فإنهم لما رأوا وفاء المسلمين وحسن السيرة منهم صاروا أشد على عدو المسلمين من المسلمين على عدوهم«))) وتتجلى عظمة الس ن ة الن بوي ة أيضا من خال رعاية حقوق المعاهدين األساسية حيث لم ت جز التعرض لهم دون وجه حق فعن رسول - صلى هللا عليه وسلم - قال:»م ن ظ ل م م ع اه د ا أ و ان ت ق ص ه أ و ك ل ف ه ف و ق ط اق ت ه أ و أ خ ذ م ن ه ش ي ئ ا ب غ ي ر ط يب ن ف س ف أ ن ا ح ج يج ه ي و م ال ق ي ام ة «))) وقال:» م ن ق ت ل م ع اه د ا ل م ي ر ح ر ائ ح ة ال ج ن ة و إ ن ر يح ه ا ت وج د م ن م س ير ة أ ر ب ع ين ع ام ا«))) لذا» فإذا أودع المسلمون قوما من المشركين فليس يحل لهم أن يأخذوا شيئا من أموالهم إال بطيب أنفسهم للعهد الذي جرى بيننا وبينهم فإن ذلك العهد في حرمة التعرض لألموال والنفوس بمنزلة اإلسام فكما ال يحل شيء من أموال المسلمين إال بطيب أنفسهم فكذلك ال يحل شيء من أموال المعاهدين وهذا ألن في األخذ بغير طيب أنفسهم معنى الغدر وترك الوفاء بالعهد«))) ولم تعرف البشرية نظاما وال تشريعا ع ني عناية بالغة بالوفاء بالمعاهدات كما عرفته الس ن ة الن بوي ة وقررته وهي التي جعلت من هذا المعاهد الغادر خصما هلل - جل وعا - كما في حديث أبي هريرة - رضي هللا عنه- مرفوعا : «ق ال هللا : ث ا ث ة أ ن ا خ ص م ه م ي و م ال ق ي ام ة :ر ج ل أ ع ط ى ب ي ))) ث م غ د ر...«))) كما جعلت لكل غدرة منه لواء فيكون للغادر الواحد ألوية بعدد غدراته زيادة في التنفير من الغدر وتعظيم حرمته فعن النبي - صلى هللا عليه وسلم - قال: «ل ك ل غ اد ر ل و اء ي و م ال ق ي ام ة ي ع ر ف ب ه «))) ولم يعرف العالم عبر قرونه الطويلة تشريعا ي جر م الغدر ويجعله محرما إال في عام ) 1907 م( ))) مسلم صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب الوفاء بالعهد:ج 3 ص 1414 ح ( 1787(. ))) سعيد المهيري العاقات الخارجية للدولة اإلسامية:ص 151. ))) أبو داود السنن كتاب الخراج باب في تعشير أهل الذمة:ج 2 ص 172 ح )3052( والحديث إسناده صحيح. ))) البخاري الجامع الصحيح كتاب الجزية باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم:ج 3 ص 1154 ح )2995(. ))) الشيباني شرح السير الكبير:ج 1 ص 45. ))) أعطى بي:عاهد باسمي وحلف ينظر: أحمد بن حجر فتح الباري بشرح صحيح البخاري )لبنان:دار المعرفة 1379 ه(: ج 4 ص 418. ))) البخاري الجامع الصحيح كتاب البيوع باب إثم من باع حرا :ج 2 ص 667 ح )2114(. ))) المصدر السابق كتاب الجزية باب إثم الغادر للبر والفاجر: ج 3 ص 1164 ح )3015(. ديسمرب 2015 م مجلة جامعة الشارقة للعلوم الرشعية والقانونية املجلد 12 العدد 115 2